إعلام في مفترق طرق- إكس، الأخلاق، والبحث عن بدائل

في الآونة الأخيرة، قامت مؤسسات إعلامية مرموقة، مثل "الغارديان" و"لا فانغوارديا"، بالإضافة إلى منصات متخصصة مثل "سيكس تك غايد"، بخطوة جريئة وهي الانسحاب من منصة إكس. هذا القرار الصائب سلط الضوء على معضلة جوهرية تواجه عالم الإعلام المعاصر: هل يجب على هذه المؤسسات البقاء ضمن منصة تتمتع بشعبية جارفة وإن كانت أصبحت بؤرة للأخبار الزائفة وخطابات الكراهية، وذلك بهدف الحفاظ على تأثيرها وأهميتها في المشهد الإعلامي؟ أم أنه من الأجدر بها أن تغادر هذه المنصة، صونًا لمبادئها الأخلاقية والتزاماتها المهنية؟
لطالما كانت منصة إكس (تويتر سابقًا) مركزًا حيويًا للنقاشات العالمية وتبادل الآراء، ولكنها شهدت تدهورًا ملحوظًا في سمعتها ومصداقيتها تحت قيادة الملياردير إيلون ماسك، الذي يصف نفسه بأنه "المدافع الشرس عن حرية التعبير".
ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، تفاقم هذا التدهور الأخلاقي بشكل كبير، حيث أعلن ماسك بشكل علني عن دعمه الصريح لدونالد ترامب وحركة "اجعل أمريكا عظيمة مجددًا"، الأمر الذي حوّل المنصة إلى منبر لانتشار الكراهية والعنصرية والتعصب الأعمى والقوالب النمطية المسيئة للأجانب.
في ظل صعود حسابات النازيين الجدد والقوميين البيض المتطرفين، وتفشي السلوكيات العنصرية المقيتة, وعمليات الكشف المشين عن البيانات الشخصية (doxxing) دون وجه حق، وغير ذلك من الإساءات اليومية المتكررة على المنصة، اتخذت العديد من المؤسسات الإعلامية، جنبًا إلى جنب مع ملايين المستخدمين الآخرين، قرارًا حاسمًا بالانسحاب نهائيًا من إكس. بالنسبة لهم، فإن مغادرة هذه المنصة كانت بمثابة تعبير واضح وجلي عن رفضهم القاطع للعنصرية والكراهية، واحتجاجًا على إساءة استخدام منصة كانت تعتبر في الماضي القريب الساحة العامة العالمية.
ولكن يبقى السؤال المطروح: هل يمثل انتقال وسائل الإعلام إلى منصات بديلة، مثل "بلوسكاي"، مخرجًا حقيقيًا لهذه المعضلة؟ أم أن هذا الانتقال قد يخلق مشكلات وتعقيدات جديدة، مثل ظهور الفقاعات الأيديولوجية الضيقة، والتسبب في خسائر مالية فادحة، وتقويض النفوذ والتأثير الإعلامي المنشود؟
يرى الكثيرون أن البقاء على منصة إكس بمثابة موافقة ضمنية على المسار الذي اتخذته المنصة تحت قيادة ماسك. بالنسبة لبعض المؤسسات الإعلامية، ولا سيما تلك التي تفتخر بهويتها التقدمية وقيمها الصحفية النبيلة، فإن الارتباط والتعاون مع منصة باتت مرادفة للجدل ودعم ترامب يعتبر أمرًا غير مقبول على الإطلاق.
ومع ذلك، لا تزال منصة إكس تحظى بجمهور عالمي واسع النطاق لا يمكن لأي منصة اجتماعية أخرى أن تضاهيه. إن قدرتها الفائقة على الوصول إلى جمهور عالمي متنوع وتعزيز الرسائل الإعلامية المختلفة لا يمكن تجاهلها أو الاستهانة بها. فالمغادرة الكاملة قد تؤدي إلى قطع الروابط مع شريحة كبيرة من الجمهور الذي لا يزال يعتمد على المنصة للحصول على الأخبار والمعلومات، مما قد يخلق فراغًا تستغله مصادر أقل مصداقية أو حتى ماكينات الأخبار الكاذبة.
بالنسبة لأولئك الذين اتخذوا قرار الرحيل عن إكس، برزت منصة "بلوسكاي" كخيار بديل جذاب. هذه المنصة اللامركزية توفر بيئة صحية تكون فيها الأخبار الزائفة وخطابات الكراهية أقل انتشارًا. فتركيبتها المميزة تعد بحوارات أكثر انفتاحًا وتوافقًا مع القيم الأخلاقية. الهدف ليس القول بأن "بلوسكاي" خالية تمامًا من الأخبار المضللة أو التحريض على الكراهية، لكن آلياتها تحد من انتشار هذا المحتوى بدلًا من ترويجه. إضافة إلى ذلك، تمنح المنصة مستخدميها أدوات متطورة للتحكم في المعلومات والمحتوى الذي يشاهدونه ويتفاعلون معه.
لكن "بلوسكاي" لا تخلو من بعض المآخذ. فقاعدة مستخدميها لا تزال أصغر بكثير، ونطاقها الجغرافي أكثر محدودية مقارنة بمنصة "إكس". كما أن تصميمها، بحسب بعض النقاد، قد يخلق فقاعات أيديولوجية ضيقة: فإذا أصبحت "بلوسكاي" ملاذًا حصريًا للمستخدمين الليبراليين والصحفيين، فقد يؤدي ذلك إلى تكرار نفس الديناميكيات المعزولة التي يعزوها المنتقدون إلى المنصات البديلة الأخرى.
إلا أن هذا النقد يفقد مصداقيته إذا ما قارناه بالبديل الذي تقدمه إكس لـ"فقاعات" بلوسكاي المزعومة: منصة مفتوحة لجميع الأيديولوجيات، ولكنها تعج بالكراهية والتحريض.
وكما كتب الصحفي والأستاذ مارسيلو سواريز، "إكس ليست ساحة عامة، بل هي مركز تجاري صاخب. لا توجد نقاشات حقيقية في مركز تجاري".
على النقيض من إكس، التي تعتمد على إثارة النزاعات والخلافات لزيادة التفاعل، تتيح بلوسكاي لمستخدميها التحكم الكامل في تجربتهم، واختيار المحتوى الذي يظهر على صفحاتهم الشخصية دون تدخل خوارزمي. فإذا اختار أحدهم العيش في "فقاعة"، فهذا قرار شخصي نابع من قناعته، وليس نتيجة لفرض هيكلي.
في المقابل، فإن بديل إكس للفقاعات يستبدل التواصل البناء بالعداء والتحامل، مما يحول المنصة إلى ساحة معارك طاحنة بدلًا من فضاء رحب للحوار الهادف.
هناك حجج أخرى تثار ضد الانتقال الجماعي من إكس إلى "بلوسكاي". فكما أشارت الصحفية صوفيا سميث غالر على LinkedIn، فإن بلوسكاي منصة صُممت لتلبية احتياجات الصحفيين أنفسهم أكثر من اهتمامها بمتطلبات جمهورهم العريض.
هذه الديناميكية تعيدنا إلى العصر الذي كان فيه الصحفيون يهيمنون على منظومة تويتر، حيث كانوا يتفاعلون بشكل أساسي مع بعضهم البعض. هذه الديناميكية، على الرغم من أنها مريحة للصحفيين، قد لا تترجم إلى تفاعل مجدٍ مع الجمهور، خاصة في ظل التوجه المتزايد نحو المنصات المعتمدة على الفيديو مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام.
إنشاء حساب على بلوسكاي قد يكون أمرًا إيجابيًا للصحفيين الذين يمكنهم التفاعل مع زملاء ذوي فكر مماثل دون التعرض للمضايقات والتهديدات من قبل النازيين الجدد أو منظري المؤامرة. ولكن هل توفر بلوسكاي بديلًا حقيقيًا لمنصة "إكس" بالنسبة للمؤسسات الإعلامية التي ترغب في مشاركة محتواها مع جمهور أوسع وأكثر تنوعًا؟
إن ترك منصة إكس يحمل في طياته تداعيات عملية ومالية حقيقية على وسائل الإعلام. فمنصة ماسك لا تزال تشكل مصدرًا رئيسيًا للإيرادات الإعلانية. فقاعدة جمهور إكس الواسعة تجعلها منصة حيوية لجذب الزوار إلى المواقع الإخبارية وجذب المعلنين.
والتخلي عنها قد يؤدي إلى انخفاض كبير في التفاعل مع الجمهور، مما يؤثر سلبًا على الإيرادات. أما "بلوسكاي" و"ثريدز" والمنصات البديلة الأخرى، فلا تزال في مراحلها الأولية. فقاعدتها الجماهيرية الصغيرة وإمكاناتها الإعلانية المحدودة تجعلها أقل جاذبية للمؤسسات التي تعتمد على الانتشار الواسع لدعم عملياتها.
ولحسن الحظ، فإن تصرفات ماسك المثيرة للجدل على إكس، وفي الساحة السياسية العالمية، تدفع الكثيرين إلى الابتعاد عن المنصة. والعديد من هؤلاء المستخدمين يجدون ملاذًا آمنًا على بلوسكاي، مما يعني أن هذه المنصة قد تصبح يومًا ما مفيدة ومربحة مثل إكس بالنسبة لوسائل الإعلام. فإذا اكتمل الخروج الجماعي من إكس، وهجرها كل من يعترض على ترويج الأخبار الزائفة والدعاية المغرضة وخطابات الكراهية، فلن يكون لدى وسائل الإعلام الجادة أي سبب وجيه للبقاء هناك.
الخروج من إكس يعكس أكثر من مجرد تغيير في إستراتيجية وسائل الإعلام على وسائل التواصل الاجتماعي، بل هو انعكاس للتحديات الأوسع التي تواجه الصحافة في العصر الرقمي.
وبينما تقدم منصات مثل "بلوسكاي" بصيص أمل، إلا أنها ليست الحل السحري لجميع المشكلات التي تواجهها الصحافة اليوم. فالطريق إلى الأمام يتطلب توازنًا دقيقًا بين احتضان الابتكار واستكشاف الفرص الجديدة دون التضحية بالقيم الأساسية للصحافة، والانضمام إلى شبكات اجتماعية أقل سمية، والسعي إلى التوسع والتطور دون التخلي عن الجمهور.